أحمد يونس (( جارح ViP ))
عدد المساهمات : 1102 البلد : سوريا العمر : 28 العمل/الترفيه : أورغ - نت - بيرتون - المزاج : مرح و فضولي الطليعة : طليعة العقرب تاريخ التسجيل : 01/03/2009 نقاط العضو في المنتدى : 36350 سمعة الجارح في المنتدى : 7 الأوسمة :
| موضوع: مالكوم إكس 8/7/2009, 4:12 pm | |
| مالكوم إكس رسائل من الأراضي المقدسة
كان أبوه قساً متعصباً قتلته إحدى الجماعات العنصرية ، فانغمس الصبي الصغير في حياة الضياع واللهو والمجون والجريمة ، وحُكم عليه بالسجن لعشر سنوات فأعلن إسلامه داخل محبسه ، وبعد خروجه بقليل منحته الصحافة الأمريكية لقب ثاني أفضل متحدث في البلاد ، وخلال عمره القصير الذي لم يتجاوز الأربعين سنة بدّل اسمه مرتين ، وكأنه كان في كل مرة يولد من جديد ويكتسب هوية مغايرة وكانت رحلته إلى مكة المكرمة في أخريات أيامه نقطة فارقة في مسيرة الإسلام والمسلمين بأمريكا ...
الطريق إلى الإسلام : في بيئة فقيرة بإحدى ضواحي مدينة أوماها بولاية نبراسكا الأمريكية وُلد مالكوم ليتيل في 6 ذي القعدة 1343هـ / 29 مايو 1925م ، وكان أبوه قسيساً متعصباً لجنسه ومنادياً بتفوق الجنس الزنجي على جميع الأجناس وهو فيما يبدو كان رداً متطرفاً على عنصرية البيض ... وفي السادسة من عمره اغتيل والده على أيدي إحدى الجماعات البيضاء العنصرية فاضطرت أمه للعمل كخادمة لتعول أطفالها الثمانية ، غير أنها لم تتحمل المعاملة القاسية التي كانت تلقاها من مجتمع البيض فانهارت أعصابها وأدخلت أحد المستشفيات النفسية لتبقى فيها زهاء ربع القرن ، وتنقل مالكوم بين دور الأحداث وملاجئ الأيتام ، وفي سن الخامسة عشرة سافر إلى بوسطن ليعيش مع أخت له من أبيه ، ثم ذهب إلى نيويورك ليعيش حياة اللهو والمجون بلا هدف ولا مسؤولية . وفي عام 1946م أُدين بتهمة السرقة وحُكم عليه بالسجن عشرة أعوام ، وفي السجن صارت القراءة هوايته الوحيدة حتى ضعف بصره من كثرة القراءة على ضوء مصباح معلق في الممر أمام زنزانته ، ونتيجة قراءته الواعية في الفلسفة والأديان والتاريخ وعلم الوراثة تغيرت كثير من أفكاره ، وفي تلك الأثناء علم أن إخوته جميعاً اعتنقوا الإسلام ، وأعطته أخته بعض الكتب عن الإسلام عند زيارتها له ودعته إلا قراءتها ، وبعدها اعتنق مالكوم الإسلام . ولبلاغة مالكوم وذكائه ونشاطه وأقواله النارية قبته الصحف بالرجل الأكثر غضباً في أمريكا ... ولمع اسمع في المنتديات الإعلامية والثقافية وحاضر في جامعتي هارفارد وكولومبيا ، واختارته صحيفة نيويورك تايمز ثاني أفضل متحدث في الولايات المتحدة ، واجتذب الكثيرين إلى أمة الإسلام ومنهم أسطورة الملاكمة محمد على كلاي الذي أعلن إسلامه عام 1964م ..
في رحاب الكعبة : في الثاني من ذي الحجة عام 1383هـ / 13 أبريل 1964م توجه مالكوم إلى الحج وأخفى الخبر عن وسائل الإعلام حتى لا تضع وزارة الخارجية العراقيل أمامه ، فانطلق من نيويورك إلى ألمانيا ثم مصر ثم الأراضي المقدسة ، ومن هناك كتب عدة رسائل إلى زوجته ومساعديه في هارلم وطلب إليهم أن ينشروها عبر وسائل الإعلام الأمريكية ، وكانت لأول مرة تحمل توقيع ( الحاج مالك شباز ) الاسم الجديد الذي حمله مالكوم وفيها يروي كيف تعلم الصلاة الصحيحة في مطار جدة لأول مرة في حياته ، حيث كانت أمة الإسلام هناك في أمريكا لا ترى في الصلاة سوى التوجه نحو مكة وقراءة الفاتحة .. ويقول مالكوم عن هذا : " ولك أن تتخيل كيف وأنني المسؤول الديني عن أحد المساجد لم أكن أعرف كيف أُؤدي شعائر الصلاة " يشير إلى أنه مكث طوال الليل يتدرب على حركات الصلاة من ركوع وسجود وقيام .. ثم حلّ ضيفاً على أسرة الدكتور عبد الرحمن عزام أول أمين عام للجامعة العربية ، وكان يعمل مستشاراً لولي عهد المملكة آنذاك الأمير فيصل بن عبد العزيز ، وأدهشته تلك الحفاوة التي استقبله بها أفراد أسرة عزام ، حيث كانوا – كما يروي هو في مذكراته التي صدرت عام 1965م ، وكان قد أملاها قبل رحيله على الروائي الأمريكي المشهور أليكس هايلي صاحب رواية الجذور وترجمتها السيدة ليلى أبو زيد تحت عنوان مالكوم إكس سيرة ذاتية – مستيقظين في ذلك الوقت المبكر في انتظاره ، وقد عانقه كل منهم كما لو كان طفلاً عائداً بعد طول غياب ، ويقول : " لم يسبق لي أن شاهدتُ أحد هؤلاء الرجال من قبل ، ومع ذلك يعاملونني هذه المعاملة الكريمة ، ولابد أن أقول لك إنني لم أحظ من قبل بمثل هذه الحفاوة والتكريم طوال حياتي ، كما لم أنعم مطلقاً بمثل هذا الكرم الحقيقي " . ثم أُتيح له أن يلتقي بالمغفور له الملك فيصل الذي أوضح له كثيراً من حقائق الإسلام ، وشرح له الإسلام الصحيح ، وبعد اللقاء الذي استضافته الحكومة السعودية لأداء المناسك ... حيث يشير مالكوم إلى ذلك في رسالة كتبها إلى زوجته في 9 ذي الحجة ، 20 أبريل 1964م : " لم أشهد في حياتي ضيافة كريمة وروحاً غامرة بالأخوى الحقة كاللتين شهدتهما من أناس من شتّى الألوان والأعراق في هذه الأرض العريقة المقدسة ، وطن إبراهيم ومحمد وكل الأنبياء الآخرين ( عليهم صلوات الله وسلامه ) ، فقد كنت خلال الأسبوع الماضي مفتوناً وعاجزاً عن التعبير عما رأيته من كرم يعرضه الناس من حولي على اختلاف ألوانهم " ، ومكث مالكوم في مكة اثني عشر يوماً ، كانت كافية لتغير مسار حياته ، بل ومسيرة المسلمين في أمريكا ...
وها هو يصف مشاعره بعد أن أحرم ودخل المسجد الحرام : " وحملتُ صندلي وسرتُ خلف المطوف ثم وقع بصري على الكعبة ، بناء حجري أسود ضخم وسط المسجد الحرام ، كان يطوف حوله ألوف تلو ألوف من الحجاج الداعين ، نساءً ورجالاً من كل أجناس العالم ... كان شعوري كمن يسري في جسمه خدر ، وقادني مطوفي وسط زحام الحجيج الذين يتضرعون إلى الله ويترنمون بالدعاء وهم يطوفون حول الكعبة سبعة أشواط ، كان بعضهم قد انحنى عوده ووهن عظمه لكبر سنه .. إنه منظر ينطبع في الذهن ولا يفارقه ، ورأيت حجاجاً أصابهم الضعف والوهن يحملهم آخرون ، وكانت الوجوه مفعمة بالبهجة والإيمان " .. وقد وصف فيما بعد عودته لبطل الملاكمة محمد علي كلاي روعة هذا الموقف قائلاً : " كنا نطوف جميعاً حول الكعبة ونحن عراة إلا من مئزر يستر العورة ، الأبيض والأسود والعبد والملك كلنا عبيد لرب واحد " . ويحكي مالكوم بعض تفاصيل حياته في الحج فيقول : " هنا أكلتُ من الطبق نفسه وشربتُ من الزجاجة ذاتها ونمتُ على البساط ذاته وصليتُ إلى إله واحد مع زميل لي من المسلمين ذي بشرة بيضاء ، إن التمييز العنصري بأمريكا مثل السرطان العضال ، إن ما يسمى بالقلب الأمريكي المسيحي الأبيض يجب أن يكون أكثر تقبلاً لحل هذه المشكلة المدمرة لإنقاذ أمريكا من كارثة وشيكة .." .. ويواصل رسالته مخاطباً زوجته : " قد تصعقين حين تسمعين كلامي ، ولكنني كنت على الدوام رجلاً يحاول مواجهة الحقائق وتقبل واقع الحياة كما تكشف عنه المعارف والخبرات الجديدة ، ولقد علمتني تجربة الحج هذه الشيء الكثير ، وكل ساعة أقضيها في الأرض المقدسة تفتح عيني أكثر وأكثر ، وإذا تمكن الإسلام من غرس روح المحبة الحقة في قلوب البيض الذين قابلتهم هنا في أرض الأنبياء فمن المؤكد أن باستطاعته أن يمحو سرطان العنصرية من قلوب الأمريكيين البيض " .. ثم يقول : " وسّع الحج مجال فكري ، فهو أنعم علي ببصيرة جديدة خلال أسبوعين في الأرض المقدسة " ..
دعوة عالمية : ولعّل أكثر ما أثار دهشة مالكوم هو مشهد الحجيج وقد وقفوا في صعيدٍ واحد في مكة المكرمة . فأدرك مقدار خطأه وأيقن أن الإسلام دعوة للقضاء على العنصرية وعصبية الجاهلية .. وقد نتفهم انبهاره بمساواة الإسلام بين جميع الأعراق والأجناس عندما نعرف أن أمريكا كانت وقتها تغلي بالعنصرية البغيضة ، وكان السود يعيشون في أوضاع مأساوية ، حتى إن الملاكم الشاب محمد عليه كلاي وكان قد حقق بعض الشهرة لم يستطع العمل كنادل في مطعم ؛ لأنه أسود ، ومالكوم نفسه كان يحلم بالعمل كمحامٍ ولكن أستاذه في المدرسة طلب إليه أن يكون واقعياً في أحلامه .. يقول مالكوم في رسائله : " في حياتي لم أشهد مثل هذا الإخاء الصادق بين الناس من جميع الألوان والأجناس ، إن أمريكا في حاجة إلى فهم الإسلام ؛ لأنه الدين الوحيد القادر على حل مشكلة العنصرية فيها ، وقد رأيتُ من الرجال ذوي البشرة البيضاء أخوة حقاً أكثر من أي شيءٍ آخر في الحج ، وكانت تلك بداية تعديل جذري في وجهة نظري الكاملة حول الرجال البيض ، وكان هناك عشرات الآلام من الحجاج من جميع أنجاء العالم ذوي العيون الزرق على الإفريقيين ذوي البشرة السوداء إلى مَن هم من شرق آسيا ، لكننا كنا جميعاً نشارك في المناسك نفسها بروح الوحدة والإخاء ، فأيقنتُ أنه يجب على أمريكا فهم الإسلام ؛ لأن هذا الدين هو الذي يمحو من مجتمعنا التفرقة ومشكلة التعصب للجنس ، وخلال سفري حول العالم الإسلامي قابلتُ وكلّمتُ وأكلتُ مع رجال كانوا سيعتبرون بيضاً في أمريكا ، ولكن الإسلام محا من قلوبهم ومن سلوكهم العنصرية البيضاء .. ورأيتُ لأول مرة في حياتي أناساً من كل الألوان لا ينظرون إلى ألوانهم ويعيشون في إخاء صادق وحقيقي ، إن الإسلام الحقيقي يزيل العنصرية ؛ لأن الذين قبلوا مبادئه الدينية ويعبدون الله الواحد عز وجل يقبلون أيضاً وتلقائياً بعضهم بعضاً بوصفهم إخوة بغض النظر عن اختلافهم في المظهر " .. ويردد مالكوم قائلاً : لقد منّ الله علي فحججتُ وطفتُ بالبيت وشربتُ من ماء زمزم وسعيتُ بين الصفا والمروة وحولي أوان البشرية من الشقر ذوي العيون الزرق إلى الأفارقة السود ، فأديتُ معهم المناسك نفسها في إخاء ووحدة ، كنت أحسب من تجربتي في أمريكا أنهما أمران مستحيلان بين الإنسان الأبيض والأسود []" .. ويقول مالكوم : سألون ما الذي أثار إعجابي أكثر في الحج ، قلت : " الأخوة .. وحدة هؤلاء البشر المنتمين إلى كل لون وجنس أكدت لي قدرة الله الواحد " ثم يقول : " إنني أعرف الآن أن بعض البيض مخلصون حقا ًوقادرون على الإحساس بالأخوة تجاه الرجل الأسود .. الإسلام الحقيقي بيّن لي أن الاتهام العام لكل البيض خاطئ كحال البيض واتهاماتهم بشكل عام ضد السود " .. ويقول مالكوم : " قلت لهم عندما زرت مكة إن الخطأ خطؤهم لأنهم لا يفعلون كل ما يجب للتعريف بالإسلام الحقيقي في الغرب ، فيتركون الباب مفتوحاً أمام المضللين والمشعوذين " .. ولدى عودته إلى بلاده في 11 ذي الحجة 1383هـ / 23 أبريل 1964م وفي مطار كينيدي كان الصحفيون في انتظاره ، حيث أعلن مالك الشباز على الملأ : " أرجو أن يثبت حجي بصفة نهائية انتماء مسجدنا إلى ملايين المسلمين السنة الموجودين في العالم " .. ثم أسس الحاج مالك الشباز منظمة الاتحاد الإفريقي الأمريكي التي تدعو إلى الأخوة والتعايش بين الجميع بيضاً وسوداً .. وفي الساعة الثانية من بعد ظهر 18 شوال 1384هـ / 21 فبراير عام 1965م وبينما كان يلقي محاضرة في حي هارلم سادت القاعة حالة من الاضطراب والفوضى ، واندفع أحد الرجال السود نحوه وأفرغ في صدره رصاص مسدسه ، ثم قام رجلان آخران بإفراغ مسدسيهما في جسده حتى فارق الحياة ، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته . | |
|